دعوة الخليل وبشارة الروح ونبوءة الكليم , تلك هي إمارات الحقيقة المحمدية التي أعجزت العالمين تلك الحقيقة التي أسس لها الحق بكتبه ورسالاته مكانة ومنزلة لم يحظى بها ملك منزل ولا نبي مرسل , حقيقة كانت هي مبلغ الرسالات ومنتهى الغايات, حيث قال الله تعالى في كتابه الحكيم وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ولعل لهذه الحقيقة أبعادا ومفاهيم ومعاني لم يستطع العقل الإنساني المحكوم بتصريف الحواس الإلمام بها الماما كاملا ورحم الله ابن مشيش عندما قال (اللهم صل على من منه انشقت الأسرار , وانفلقت الأنوار وتنزلت علوم آدم باعجز الخلائق , وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه سابق ولا لاحق ) فتلك حقيقة شرفها الله باسرار ومنن وانوار فوق الطاقة الادراكية لأي مخلوق كان وألا فما بالنا نعجز ان نفسر لما ان الأمر التكليفي الوحيد الذي عجز عن أدائه العباد هو الصلاة على رسول الله الذي فيه يتحقق الذل والانكسار والتجرد إلى الله تعالى والإقرار بالضعف عن أداء حق الصلاة على هذا الرسول كما إن هذا الأمر التكليفي الوحيد الذي جعل العباد في المعية الإلهية والملكوتية مشكلين ثالوثا يصدح بالصلاة على خير الأنام .
انها وايم الله سر من أسراره وفيض من فيوضاته انها حقيقة أوسع من ان يحاول البعض منهم ان يحدوا حدودها بآفاقهم الضيقة ويقصروها بقصور عقولهم التي لم تستطع ان تحل الرموز والشفرات المادية للكون فما بالك بالشفرات الروحية . ان تصريحنا بعجز العقل البشري عن إدراك كل ما في هذا الكون بل وما في داخل الإنسان الذي يحمل ذلك العقل يجب ان يكون نقطة انطلاقنا بالبحث عن سر الحقيقة المحمدية بمعنى ان ما وصلنا وما سنصل اليه من ابحار في سر ها لا يمثل الا نزرا يسيرا من حقيقتها المطلقة , وفي مستهل بحثنا عن الحقيقة المحمدية في القران نبدأ بالسمة البارزة لها الا وهي خاتم الأنبياء ولنقف عندها موقفا تامليا عندما نقرا قوله تعالى في سورة الاحزاب مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً وقد وردت كلمة خاتم بالفتح وليس بالكسر أي (الآخر) كما يفهم البعض لقد جاءت بالفتح أي فيه يتم الابتداء والانتهاء كما هو الحال مع الخاتم الذي يحيط بالإصبع من كل جانب * فاذا كان الانتهاء به معلوما فكيف كان الابتداء واين ؟ ... وهنا يقف العقل البشري عاجزا عن التفسير او التاويل ولكن السنة النبوية المطهرة أسعفتنا وأتحفتنا بما غاب عنا بقول الرسول الاعظم (كنت نبيا وادم بين الطين والماء) , ولننتقل بعدها إلى الحضور المحمدي السرمدي الذي بانت علائمه في كل زمان ومكان فما من رحمة اصيب بها اهل الارض والسماء الا عن طريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال الامام الشافعي انه حضور اقره القران وكذلك الكتب السماوية الاخرى لقوله تعالى في سورة البقرة وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ أي حين جاءهم ويقصد هنا بني اسرائيل القرأن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة جحدوه, وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركي العرب, ويقولون: قَرُبَ مبعث نبيِّ آخرِ الزمان, وسنتبعه ونقاتلكم معه. فلمَّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه. فلعنةُ الله على كل مَن كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, وكتابه الذي أوحاه الله إليه.(انتهى تفسير الجلالين) فكيف يستنصر الحاضر بالغائب ان كان غائبا وكيف يغيث الغائب حاضرا الا بنفي صفة الغيبة عنه وحضوره وحبوره وحتى وفاته عليه الصلاة والسلام لم تعن انقطاعه بل هو حضور مع الإنسان يكاد يكون أاقرب اليه من حبل وريدهوَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد .ويتضح هذا المعنى بوضوح اذا قلبنا لساننا وفسرنا صيغة التسليم على النبي الواردة في الصلاة فنقول: (السلام عليك أيها النبي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ولنتامل لما حذفت يا قبل ايها وهو القائل عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ولو سالت نحويا بسيطا عن حذف ال (يا) لقال لك حذفت للقرب ! نعم انه القرب والحضور قرب لا يليق الا به وبمكانته ورفعته صلوات الله وسلامه عليه وكيف لا وقد نال الحبيب منزلة لما يتطاول اليها احد من خلق الله ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ,فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى والتدلي هنا القرب فاي قرب واي قريب , انها روائع شهادة تلك الحقيقة التي قصر الله محبته باتباع اثارها لقوله تعالى وجل :قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وامضي وقلب ما شئت من ايات الكتاب المبين واطلع على منزلة تلك الحقيقة التي هي باعين الله وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا فباي بضاعة نحاول ان نستدل بها على تلك الحقيقة وبضاعة العقل قاصرة عن الالمام ولو بنزر يسير من روعتها وبهائها ورفعتها , فكيف يستقيم ان يستطيع العقل ان يرسم حدودا نهائية لشيء هو في اعين اللهسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون وكيف تجرأ البعض باقصارها على طبيعتها البشرية مجتزئا قوله تعالى :انما ان بشر مثلكم) وتغافل عن (يوحى الي) ويا ليتها اقتصرت على نزول الوحي بل بما كان ينزل الوحي: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فكيف استطاع البشر العادي ان ينوء بحمل ما لا تطيقه الجبال .
ان العظمة المحمدية تجلت بابها صورها بميراثها وما تركت من بعدها للبشرية الضالة عن طريق الحق . فما تركت بيوتا ولا قصورا بنيت من خلال سرقة الشعوب واهدار اموالها واحلامها او اهرامات يتغنى العالم المتحضر الان بهندسيتها واسرارها وتناسوا كم استتنزفت تلك الاهرامات من بشر قضوا نحبهم في سبيل بناء يقدس السلطان . كلا لم تترك سوى كلمات في كتاب اعجز افصح الألسنة وجعل العلم والعقل يسجدان لله ذلا وانكسارا وكذلك ترك بعده رحال رهبان في الليل فرسان في الصباح . ان الروعة المحمدية تتجلى في انها استطاعت ان تبني امة من خلال استنهاض طاقاتها الكامنة فيها لا على حساب امم اخرى لقد ترك رجالا كان الواحد منهم لوحده (امة قانتا لله) فكيف استطاع صحب محمد ان يقوموا بما قاموا به وهم كانوا قبل ردح من الزمن يعيشوا في ظلمات جاهلية عقائدية يسودها قانون الغاب وهم الذين لم يدخلوا مدرسة او جامعة ولم ينهلوا من العلوم والمعلومات التي يوفرها الإنترنت ووسائل الاتصال الاخرى الا كونهم حقا خريجي المدرسة المحمدية التي أمدتهم من الله بمدد وطاقة روحية هائلة جعلت منهم اعلاما وعلماء وفرسان ورهبان من خلال تزكيتها الربانية لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ وهنا أوضحت الآية الفرق بين التعلم والتعليم والتزكية فقد علمهم الكتاب ولكنه قبل هذا زكى نفوسهم وجلى مرآة قلوبهم بنوره المقتبس من نور الله لكي تصبح قلوبهم وعقولهم اواني طاهرة وقادرة على حمل أعباء تلك الرسالة .
ان الله اختص البشرية بفضل عظيم الا وهو محمد عليه الصلاة والسلام فانه خيار من خيار وقال الله تعالى :وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ وبالتالي لم تكن الرسالة المحمدية او الدين الإسلامي خاص بفئة دون فئة اخرى بل جاء لجميع الناس بشتى انواعهم وأجناسهم والوانهم لا يحتوي على معيار تفضيلي الا معيار التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم) فنعجب من أمر المسلمين اليوم وما افضى اليه حالهم نتيجة عوامل عديدة كان ابرزها البعد عن النهج الرباني والتماس الحقيقة من غير مشكاتها (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) ولعل ابرز ما يواجه الامة الاسلامية اليوم من أزمات كان أخطرها ازمة الخطاب الحضاري للامة ذلك الخطاب الذي نأى بنفسه عن مسالك الحق ومكامن النور وتحول إلى خطاب منبري دعائي تحريضي فئوي انعكاسي لافعال الغير , ذلك الخطاب الذي جعل الامة تعيش في حالة احتراب داخلي وخارجي القى بعواهنه على كاهل الشباب المسلم الذي جره هذا الخطاب إلى اركان مظلمة موحشة نأت به عن اللحاق بركب او قطار الحضارة الصاعد بجموح نحو القمة واذا ما أريد لهذه الامة ان تنهض من جديد فعلى ولاة امورها وعلمائها الرجوع بها إلى مشكاة النور المحمدي والنهل من مناهله العظيمة بصيغة حضارية تتسم بميزان عقلي وحضاري ياخذ بنظر الاعتبار ما يفرضه ايقاع الواقع المتغير من تاثير على المظهر دون الجذور او الاصول.
انها وايم الله سر من أسراره وفيض من فيوضاته انها حقيقة أوسع من ان يحاول البعض منهم ان يحدوا حدودها بآفاقهم الضيقة ويقصروها بقصور عقولهم التي لم تستطع ان تحل الرموز والشفرات المادية للكون فما بالك بالشفرات الروحية . ان تصريحنا بعجز العقل البشري عن إدراك كل ما في هذا الكون بل وما في داخل الإنسان الذي يحمل ذلك العقل يجب ان يكون نقطة انطلاقنا بالبحث عن سر الحقيقة المحمدية بمعنى ان ما وصلنا وما سنصل اليه من ابحار في سر ها لا يمثل الا نزرا يسيرا من حقيقتها المطلقة , وفي مستهل بحثنا عن الحقيقة المحمدية في القران نبدأ بالسمة البارزة لها الا وهي خاتم الأنبياء ولنقف عندها موقفا تامليا عندما نقرا قوله تعالى في سورة الاحزاب مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً وقد وردت كلمة خاتم بالفتح وليس بالكسر أي (الآخر) كما يفهم البعض لقد جاءت بالفتح أي فيه يتم الابتداء والانتهاء كما هو الحال مع الخاتم الذي يحيط بالإصبع من كل جانب * فاذا كان الانتهاء به معلوما فكيف كان الابتداء واين ؟ ... وهنا يقف العقل البشري عاجزا عن التفسير او التاويل ولكن السنة النبوية المطهرة أسعفتنا وأتحفتنا بما غاب عنا بقول الرسول الاعظم (كنت نبيا وادم بين الطين والماء) , ولننتقل بعدها إلى الحضور المحمدي السرمدي الذي بانت علائمه في كل زمان ومكان فما من رحمة اصيب بها اهل الارض والسماء الا عن طريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال الامام الشافعي انه حضور اقره القران وكذلك الكتب السماوية الاخرى لقوله تعالى في سورة البقرة وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ أي حين جاءهم ويقصد هنا بني اسرائيل القرأن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة جحدوه, وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركي العرب, ويقولون: قَرُبَ مبعث نبيِّ آخرِ الزمان, وسنتبعه ونقاتلكم معه. فلمَّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه. فلعنةُ الله على كل مَن كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, وكتابه الذي أوحاه الله إليه.(انتهى تفسير الجلالين) فكيف يستنصر الحاضر بالغائب ان كان غائبا وكيف يغيث الغائب حاضرا الا بنفي صفة الغيبة عنه وحضوره وحبوره وحتى وفاته عليه الصلاة والسلام لم تعن انقطاعه بل هو حضور مع الإنسان يكاد يكون أاقرب اليه من حبل وريدهوَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد .ويتضح هذا المعنى بوضوح اذا قلبنا لساننا وفسرنا صيغة التسليم على النبي الواردة في الصلاة فنقول: (السلام عليك أيها النبي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ولنتامل لما حذفت يا قبل ايها وهو القائل عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ولو سالت نحويا بسيطا عن حذف ال (يا) لقال لك حذفت للقرب ! نعم انه القرب والحضور قرب لا يليق الا به وبمكانته ورفعته صلوات الله وسلامه عليه وكيف لا وقد نال الحبيب منزلة لما يتطاول اليها احد من خلق الله ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ,فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى والتدلي هنا القرب فاي قرب واي قريب , انها روائع شهادة تلك الحقيقة التي قصر الله محبته باتباع اثارها لقوله تعالى وجل :قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وامضي وقلب ما شئت من ايات الكتاب المبين واطلع على منزلة تلك الحقيقة التي هي باعين الله وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا فباي بضاعة نحاول ان نستدل بها على تلك الحقيقة وبضاعة العقل قاصرة عن الالمام ولو بنزر يسير من روعتها وبهائها ورفعتها , فكيف يستقيم ان يستطيع العقل ان يرسم حدودا نهائية لشيء هو في اعين اللهسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون وكيف تجرأ البعض باقصارها على طبيعتها البشرية مجتزئا قوله تعالى :انما ان بشر مثلكم) وتغافل عن (يوحى الي) ويا ليتها اقتصرت على نزول الوحي بل بما كان ينزل الوحي: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فكيف استطاع البشر العادي ان ينوء بحمل ما لا تطيقه الجبال .
ان العظمة المحمدية تجلت بابها صورها بميراثها وما تركت من بعدها للبشرية الضالة عن طريق الحق . فما تركت بيوتا ولا قصورا بنيت من خلال سرقة الشعوب واهدار اموالها واحلامها او اهرامات يتغنى العالم المتحضر الان بهندسيتها واسرارها وتناسوا كم استتنزفت تلك الاهرامات من بشر قضوا نحبهم في سبيل بناء يقدس السلطان . كلا لم تترك سوى كلمات في كتاب اعجز افصح الألسنة وجعل العلم والعقل يسجدان لله ذلا وانكسارا وكذلك ترك بعده رحال رهبان في الليل فرسان في الصباح . ان الروعة المحمدية تتجلى في انها استطاعت ان تبني امة من خلال استنهاض طاقاتها الكامنة فيها لا على حساب امم اخرى لقد ترك رجالا كان الواحد منهم لوحده (امة قانتا لله) فكيف استطاع صحب محمد ان يقوموا بما قاموا به وهم كانوا قبل ردح من الزمن يعيشوا في ظلمات جاهلية عقائدية يسودها قانون الغاب وهم الذين لم يدخلوا مدرسة او جامعة ولم ينهلوا من العلوم والمعلومات التي يوفرها الإنترنت ووسائل الاتصال الاخرى الا كونهم حقا خريجي المدرسة المحمدية التي أمدتهم من الله بمدد وطاقة روحية هائلة جعلت منهم اعلاما وعلماء وفرسان ورهبان من خلال تزكيتها الربانية لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ وهنا أوضحت الآية الفرق بين التعلم والتعليم والتزكية فقد علمهم الكتاب ولكنه قبل هذا زكى نفوسهم وجلى مرآة قلوبهم بنوره المقتبس من نور الله لكي تصبح قلوبهم وعقولهم اواني طاهرة وقادرة على حمل أعباء تلك الرسالة .
ان الله اختص البشرية بفضل عظيم الا وهو محمد عليه الصلاة والسلام فانه خيار من خيار وقال الله تعالى :وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ وبالتالي لم تكن الرسالة المحمدية او الدين الإسلامي خاص بفئة دون فئة اخرى بل جاء لجميع الناس بشتى انواعهم وأجناسهم والوانهم لا يحتوي على معيار تفضيلي الا معيار التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم) فنعجب من أمر المسلمين اليوم وما افضى اليه حالهم نتيجة عوامل عديدة كان ابرزها البعد عن النهج الرباني والتماس الحقيقة من غير مشكاتها (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) ولعل ابرز ما يواجه الامة الاسلامية اليوم من أزمات كان أخطرها ازمة الخطاب الحضاري للامة ذلك الخطاب الذي نأى بنفسه عن مسالك الحق ومكامن النور وتحول إلى خطاب منبري دعائي تحريضي فئوي انعكاسي لافعال الغير , ذلك الخطاب الذي جعل الامة تعيش في حالة احتراب داخلي وخارجي القى بعواهنه على كاهل الشباب المسلم الذي جره هذا الخطاب إلى اركان مظلمة موحشة نأت به عن اللحاق بركب او قطار الحضارة الصاعد بجموح نحو القمة واذا ما أريد لهذه الامة ان تنهض من جديد فعلى ولاة امورها وعلمائها الرجوع بها إلى مشكاة النور المحمدي والنهل من مناهله العظيمة بصيغة حضارية تتسم بميزان عقلي وحضاري ياخذ بنظر الاعتبار ما يفرضه ايقاع الواقع المتغير من تاثير على المظهر دون الجذور او الاصول.